، مقالات

تطور التشريعات ودورها في تتطور الدول

تعمل المملكة العربية السعودية على تحديث أنظمتها وقوانينها لتتماشى وتتوافق مع برامج وخطط رؤية 2030 ومشاريعها الاقتصادية المختلفة، بالاستفادة من الممارسات الدولية المعتبرة.وعلى هذا الصعيد وفي مطلع 2021 أكد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان تطوير البيئة التشريعية، من خلال استحداث وإصلاح الأنظمة التي تحفظ الحقوق وترسخ مبادئ العدالة والشفافية وحماية حقوق الإنسان، بمرجعيات مؤسسية إجرائية وموضوعية واضحة ومحددة، ويأتي هذا الإصلاح الشامل بتطوير أربعة أنظمة هي نظام الإثبات، ونظام الأحوال الشخصية، ونظام المعاملات المدنية، والنظام الجزائي للعقوبات التعزيرية.

الدول لا تتطور إلا بحجم تطور أنظمتها القانونية

وللحقيقة فإن الدول لا تتطور إلا بحجم تطور أنظمتها القانونية التي تضمن الحقوق وتحدد العلاقات بشكل واضح، وتدعم الإجراءات التي تحقق كلا الأمرين، وشهد العالم فترات من التضارب في المصالح أدت إلى أحداث تاريخية مؤسفة، وفي كل مرة يأتي الإصلاح من خلال تطوير الأنظمة، وانطلقت الدولة السعودية مع مؤسسها الملك عبدالعزيز في طريق إصلاح شامل من كل الجوانب، الأمر الذي تطلب تطوير عديد من الأنظمة والإجراءات على مراحل متفرقة من خطط التنمية، ومنذ انطلاق رؤية المملكة 2030 وما تحقق من مستهدفات، خاصة في مجال حقوق الإنسان عموما والمرأة والطفل خصوصا، وكذلك تنامي العلاقات التجارية الداخلية والدولية والاستثمار الأجنبي، فقد تبين مدى الحاجة إلى تطوير عدد من الأنظمة لسد الفراغات التشريعية، وتقليل التفاوت في الأحكام، وتعزيز الجهود الكبيرة التي يقودها ويشرف عليها ولي العهد في استحداث وإصلاح القضاء وتعزيز بيئة التشريعات واستدامة التنمية الشاملة.
وتحقيقا لهذه التطلعات أعلن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أخيرا صدور نظام الإثبات الذي استمدت أحكامه من الكتاب والسنة، واعتمدت على أدلة التشريع الإسلامي المتفق عليها، تماشيا مع ما جاء في النظام الأساسي للحكم، كما استفادت من التجارب العالمية بما لا يتعارض مع أحكام الشريعة.
ومن المعلوم أن قوة وحجية الإثبات في القضاء وغيره تتعلق بنوعية الدليل المستخدم، لتأكيد حدوث شيء ما من قول أو فعل، وفي هذا معايير تختلف من نظام إلى آخر، ففي القضايا الجنائية فإن قوة الدليل تكمن في تجاوزه معيار الشك المعقول، وبمعني آخر فإن الدليل القوي هو الذي لا يدع مجالا للشك، بينما هناك معايير أخرى تقوم عليها بعض الأنظمة في قوة الإثبات، منها معيار “الدليل الراجح “، ما يعني أنه يجب أن يكون احتمال حدوث شيء ما أكثر من عدمه.

عبء الإثبات بتقديم الدليل

بشكل عام في عموم الأنظمة فإن المدعي يتحمل عبء الإثبات بتقديم الدليل، وفي أنظمة فإن على المدعى عليه عبء الإثبات وتقديم الدليل، لهذا التنوع الكبير فإن استحداث نظام خاص بالإثبات يعد نقلة نوعية في مجال القضاء نظرا إلى أهمية الأدلة في أي نزاع قضائي، وأثره في الأحكام القضائية، خاصة إذا استوعب نظام الإثبات كل التجارب الدولية والتغيرات الناشئة بسبب التحول الرقمي في القطاع العدلي، وانتشار الأدلة الإلكترونية، كما حدث في تطوير نظام الإثبات الذي أعلنه ولي العهد السعودي، الذي ورد في نحو 129 مادة غطت كل المتغيرات والأبعاد الزمانية والمكانية والظروف المؤثرة في الأدلة، وأسهم ذلك في إيجاد مواد نظامية تستوعب ما تحتاج إليه المحكمة والخصوم في الإثبات المدني والتجاري، كما أنه يسهم في استقرار الأحكام القضائية، وإمكانية التنبؤ بها، ما يزيد الثقة والاطمئنان إلى الالتزامات التعاقدية، إلى جانب تسريع الفصل في المنازعات.
ومن اللافت أن نظام الإثبات في المملكة العربية السعودية يأتي منسجما مع التحولات السريعة التي تشهدها الحياة الاجتماعية والاقتصادية في البلاد والعالم أجمع، حيث سيساعد على دعم التحول الرقمي والتطور في أنظمة المحاكم الإلكترونية، وتعد هذه نقطة جوهرية مكنت النظام السعودي للإثبات من تحقيق أسبقية على عدد من الأنظمة العربية، بإفراده بابا مستقلا للأدلة الرقمية، كما حد النظام من جرأة بعض الناس على الشهادة، فمنع قبول الشهادة على التصرفات التي تزيد على مائة ألف ريال، ذلك استنادا إلى القاعدة المشهورة بأن يكون الدليل قاطعا للشك المعقول، وفي ظل توافر آليات توثيق العقود كتابة، فإن دليل الشهادة وحده لا يقطع الشك المعقول، لأنه يخالف ظاهر الحال والتوجيهات، فالنظام بحده مثل هذه الأدلة يحد من المشكلات المترتبة على وجوب تزكية الشهود على كل حال.
ويأتي نظام الإثبات بما تضمنه من عدالة وشفافية، نتيجة لدعم خادم الحرمين الشريفين لعملية تطوير المنظومة التشريعية وتوجيهاته بكل ما يسهم في تعزيز أداء الأجهزة العدلية والأنظمة ذات العلاقة، وبما يعزز من الموضوعية بإلزام القاضي بتسبيب ما يصدره من قرارات بشأن الإثبات، مع مراعاة المرونة التي تطلبها إجراءات التقاضي، وجدير بالذكر هنا أن النظام قد تمت دراسته بدقة متناهية خلال مسارات إصدار الأنظمة في المملكة، الذي يمكن جهات عدة من تقييمه وفقا لمقتضيات الشريعة الإسلامية، ونظام الحكم، والممارسات العالمية المقبولة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى