العملات الرقمية المشفرة ومستقبل اقتصاد العالم. هل هي حقيقة؟

العملات الرقمية المشفرة ومستقبل اقتصاد العالم. هل هي حقيقة؟

انتشرت في العالم خلال الفترة الأخيرة أنواع مختلفة من العملات الرقمية والمشفرة، وأخذت حيزا كبيرا في خريطة أسواق العملات النقدية والمالية، وأصبح يتم تدوالها كالأسهم، وأيضا في تبادل السلع والخدمات، وفرضت نفسها في عالم المال، لكن بعض الخبراء والحكومات ترى أنه لا بد من تنظيمها بشكل قانوني حتى تسير في المسار الصحيح لحماية الدول من أضرارها المباشرة وغير المباشرة، ولذلك سيظل الحديث يتسع إلى ما لا نهاية حول العملات المشفرة ومواقف الحكومات منها وطبيعة مؤشرات حركتها واتجاهاتها ومخاطرها الاستثمارية والأمنية، وغير ذلك من المسائل التي تتعلق بها.إن هذه العملات لا تزال في ساحة المعارضين والمؤيدين لها من جانب المسؤولين حتى بعض المشرعين الماليين في هذه الدولة أو تلك، فضلا عن أنها ظلت حتى اليوم باقية خارج نطاق الرقابة التنظيمية، ناهيك عن المخاوف بشأنها فيما يتعلق بتذبذبها الهائل بين الارتفاع والهبوط.

مسائل عالقة في ميدان تدوال هذه العملات

ولا شك أن البنوك المركزية حول العالم تخطط من أجل وضع حلول لأي مسائل عالقة في ميدان تدوال هذه العملات، بل صار من المطلوب منها أن تتخذ مواقف ليست واضحة فحسب، بل مواقف حيال تعامل البنوك نفسها بهذه العملات في المستقبل، خصوصا في ظل النمو الكبير لأسواقها. ومن هنا، يمكننا تفسير الخطوات الراهنة التي تقوم بها البنوك المركزية على صعيد إصدار عملاتها الرقمية الخاصة بها. ووفقا لاستطلاع لبنك التسويات الدولية، فإن 90 في المائة من البنوك المركزية تعتزم بالفعل إصدار عملات من هذا النوع. لكن الأمر لن يتم سريعا، وذلك لأسباب تتعلق في الدرجة الأولى بالتحضير لإطلاق العملات الرقمية.
وقبل أعوام دعمت كريستين لاجارد رئيسة صندوق النقد السابقة ورئيس البنك المركزي الأوروبي حاليا، في رسالة توجيهية، كل الخطوات المؤيدة لإصدار عملات رقمية من قبل البنوك المركزية، والتحرك لاحتواء العملات المشفرة الموجودة في الأسواق تنظيميا وبصورة سريعة. فالمسؤولون الغربيون ينظرون بعين الشك إلى هذه العملات في مسألة غسل الأموال، أو استخدامها في الجريمة المنظمة، إلى جانب كثير من المسائل الخطيرة الأخرى، خاصة في عالم الحركة التجارية والصفقات.
وبالطبع، ستكون خطوة البنوك المركزية في إصدار عملاتها الرقمية الخاصة بها، بمنزلة نقطة تحول في تاريخ هذا النوع من العملات. كما أنها ستجعل سوقها أكثر استقرارا واتساعا، ولا سيما مع وصول القيمة المجمعة للعملات المشفرة الحالية إلى 1.7 تريليون دولار. وبحسب آخر المؤشرات، تبلغ قيمة عملة بيتكوين، الأكبر في السوق لوحدها، 756 مليار دولار. أي أن الأسواق تحتاج بالفعل إلى عملات رقمية تصدر من جهات رسمية وحكومية ضامنة لها.

 هبطت بيتكوين أكثر من نصف قيمتها ضربة واحدة

ففي الأسابيع الماضية، حبس المستثمرون في العملات المشفرة أنفاسهم بعد أن هبطت بيتكوين أكثر من نصف قيمتها ضربة واحدة، عبر تصريح إعلامي من إيليون ماسك رئيس شركة تسلا الأمريكية لصناعة السيارات، بعد أن حققت مكاسب كبيرة سابقا من إعلانه الاستثمار فيها. أي أنها تتأثر سريعا بأي شيء على الساحة الاقتصادية.
وستصدر البنوك المركزية بلا شك عملاتها الرقمية لاحقا، بحيث يمكن استخدامها كعملة بالطريقة نفسها التي يستخدم فيها النقد التقليدي حاليا. وتحتاج هذه البنوك بالفعل إلى عملات رقمية خاصة بها، ليس فقط للحد من حراك العملات المشفرة التي تعد خارج السيطرة بصورة أو بأخرى، بل لأنها تعد أكثر أمانا وأسرع وأكثر مرونة من الأوراق النقدية والمعدنية. دون أن ننسى التراجع الكبير في عدد مستخدمي النقد في أغلبية بلدان العالم، ما دفع الحكومات إلى خفض عدد الأوراق النقدية التي تصدرها.
ووفق المؤشرات الثانوية التي رصدت أخيرا، ارتفع عدد الأمريكيين الذين لا يستخدمون هذه الأوراق في تعاملاتهم إلى 30 في المائة، والأمر كذلك في أوروبا، حتى في الصين بلغت نسبة مستخدمي الدفع الإلكتروني 50 في المائة. ومن ثم، فإن العملات الرقمية الرسمية آتية لا محالة، والاتجاه نحو اتساع استخدامها، وإن كان الأمر يتطلب وقتا، ليس بسبب تكنولوجيا الإصدار فحسب، بل للوصول إلى آليات توفر الحماية لهذه العملات لاحقا من الهاكرز، وغيرهم من العصابات الإلكترونية المنتشرة على الشبكة الدولية. القضية برمتها أصبحت مسألة وقت لا أكثر ولا أقل.
من صحيفة الاقتصادية

اكتشاف المزيد من مجلة الشرقية الاقتصادية

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Comments

No comments yet. Why don’t you start the discussion?

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *